مصر و المصريين بعيون امريكية ج 1

الابعاد الثقافية للحياة فى مصر

رؤية لكاتب امريكى عن مصر والمصريين تستحق القراءة

" لا تسأل المصري أبدا عن وجهة نظره في قرار ما.. فالمصري لا يري هذا التصرف من رئيسه علي أنه "حركة" ديمقراطية، لكنه يراه دليلا علي نقص ثقته في قراراته، ونقص ثقة الرئيس تعني نقص سلطته. (بمعني آخر أن خير رئيس يفهم المصريين هو الرئيس غير الديمقراطي) ".

هكذا وضح الأمريكي "بيل دريك"، مؤلف كتاب "الأبعاد الثقافية للحياة في مصر" الشخصية المصرية فى العمل والسياسة.

ورسم صورة لكل أجنبي ينوي الحياة في القاهرة.. عن أهل مصر.. وكيفية التعامل معهم.. وكانت النتيجة كتابا شديد الإمتاع.. يختلف عن الكتب السياحية التي لا تري في القاهرة سوي أماكن السهر والسياحة.. جاء كتاب بيل دريك.. دليلا "للحياة" في مصر، بكل ما في الكلمة من معانٍ.. وتعقيدات.. وتقلبات. .

قدم بيل دريك دليلا مفصلا للأمريكي العادي، لكي يصبح مواطنا مصريا صميما.. يقود سيارته في الشوارع ويشتري طلبات بيته من سوق باب اللوق.. وليس من "الهايبر ماركت".. يتعامل مع كل طبقات البيروقراطية المصرية، من أقلها إلي أقصاها.. وينهي مصالحه فيها بنفس طريقة أولاد البلد.

كانت إحدي المحطات شديدة الأهمية.. والاختلاف التي توقف عندها الكتاب.. هي علاقة المصريين بالسلطة.. فبما أنه يتوجه أساسا للأمريكان الذين سيعملون في القاهرة.. فكر بيل دريك أن يقدم تشريحا للشخصية المصرية في مجال العمل.. ما هي القيم السائدة بينهم.. وكيف يتعامل الرئيس مع المرؤوس؟ وكيف ينظر الموظف إلي رئيسه؟ وكان الواقع، أن قراءة أخلاقيات المصريين في مجال العمل، لا تختلف كثيرا عن قراءة تفكيرهم في عالم السياسة.. ففكرة السلطة واحدة في الحالتين.

مثلا

المصرى فى العمل كالمصرى فى السياسة

يقول المؤلف إن أحد المشكلات الرئيسية التي يمكن أن تواجه الأمريكان الذين يعملون في مصر، هي أنهم يحاولون نقل أسلوب الإدارة في بلادهم بالحرف إلي مصر.. لكن الواقع أن ما يصلح لأمريكا لا يصلح في مصر.

" في مصر، علاقات العمل تقوم علي أساس العلاقات الشخصية.. وتعتمد من أولها لآخرها علي التواصل، والاتصالات "

" النفوذ والسلطة لابد أن تكون في يد الرئيس دائما، أو في يد صاحب المؤسسة".

" دائما هناك نظام بيروقراطي يساعد علي تدعيم المزيد من النفوذ للرئيس" .

" عادة ما يري الرئيس أن موظفيه غير قادرين علي العمل بكفاءة من دون رقابة مستمرة عليهم".

" كذلك تختلف طبيعة الموظف في مصر عن غيره في باقي دول العالم، فالقواعد العامة في المؤسسات المصرية هي أن سلوكيات الموظفين يشكلها المزاج الشخصي للرئيس".

" إن ولاء الموظف أهم من كفاءته بالنسبة للرئيس. والتعاون بين الأفراد نادرا ما يكون موجودا".

" المصريون عادة يفضلون استمرار الوضع علي ما عليه، والمصري يرتبط بشدة بعائلته الشخصية، والعملية، ومن الطبيعي أن يتقبل سيطرة الأب عليه في البيت، وسيطرة الرئيس عليه في العمل".

" لا تعرف المؤسسات المصرية التقليدية معني المبادرات الفردية التي لابد منها في المؤسسات الكبري."

" صفات تنطبق علي المصري في مجال العمل وفي مجال السياسة.. فعملية صنع القرار، أمر لا يختلف بالنسبة لرئيس العمل أو للرئيس السياسي".

مثلا، يقول المؤلف إن صناعة القرار في المؤسسات (والسياسات) الأمريكية، لابد أن تقوم علي وجود معلومات كثيرة ودقيقة، يتم بناء عليها اتخاذ القرارات.. كذلك، يميل المسئول المصري إلي اتخاذ قرارات بناء علي مشاعره، وإحساسه، وتقديره الشخصي، يتخذ المسئول المصري قراره كرد فعل علي الأحداث التي تجري أمامه، فهو لا يصنع الحدث وإنما يستجيب له.. يستند الأمريكان إلي الحقائق ولا شيء غير الحقائق، بينما يستند المصري علي تقديراته الشخصية.. لأنه لا يجد أمامه معلومات كافية يمكنه الاعتماد عليها.

إن فكرة غياب المعلومات، التي يمكن صياغتها بعبارة أخري في كلمة "غياب الشفافية".. أمر، له جذور في العقلية المصرية.. فالمعلومات التي تحجب عن الناس، ليست مجرد أرقام وبيانات.. هي أحد أهم مصادر القوة والنفوذ في مصر، فمن يملك المعلومات يملك القرار.. والقوة.. لذلك يسعي المسئول المصري بكل طاقاته لحجب المعلومات، والتحكم في طريقة وتوقيت كشفها.. لأن تقاسم المعلومات في نظره، يزيد من احتمال فقدانه لمصدر سطوته.

وينتبه المؤلف إلي نقطة أخري في عالم الأعمال المصري، فهو يقول إن المسئول في الحكومة، يكون عادة أكثر دقة وتحديدا في كلامه من رجل الأعمال.. ولكنه يشعر بالحاجة إلي بناء علاقة شخصية، قائمة علي الثقة المتبادلة، قبل أن يعطي الأمان لأجنبي ويقدم له يد العون.. كما أن هناك عددا من القواعد العامة التي لابد أن يراعيها أي مدير أجنبي عند عمله مع مواطن مصري:

< لابد أن يفهم الأجنبي جيدا أنه من الضروري للمصري جدا أن يشعر بالتقدير والاحترام في مجال عمله.

< إن المصري يهتم جدا بفكرة وضعه الاجتماعي، وهو شديد الترقب للفرص التي يمكن أن ترفع منه، وشديد الحساسية إزاء أي تهديد يمكن أن ينال منه.

< إن الدافع المادي هو أحد أهم الدوافع التي تحكم سلوك المصريين.

< إن المصري الكفء يتوقع دائما أن قدراته وكفاءته سوف تنال التقدير، والمدير أو الرئيس الناجح في مصر هو من يخصص جزءا من جهده، ليشعر من هم تحت إمرته بالتقدير لكفاءتهم.

< إن المصريين يؤيدون بقوة ممارسة الرئيس لسلطته الشرعية عليهم في مجال العمل.

< إن المصريين يقدمون أفضل ما عندهم عندما يعملون في محيط روتيني منتظم خالٍ من المفاجآت التي تحتاج لمهارات خاصة في التعامل معها.

< لا تسأل المصري أبدا عن وجهة نظره في قرار ما.. فالمصري لا يري هذا التصرف من رئيسه علي أنه "حركة" ديمقراطية، لكنه يراه دليلا علي نقص ثقته في قراراته، ونقص ثقة الرئيس تعني نقص سلطته. (بمعني آخر أن خير رئيس يفهم المصريين هو الرئيس غير الديمقراطي).

< لا يستريح المصري كثيرا عندما يتعامل معه رئيسه معاملة الأصدقاء، فهو لا يتوقع من رئيسه الصداقة، وإنما الرعاية.

ويقول المؤلف، إن رئاسة المصريين، أو إدارتهم في العمل، تعني أنهم ينتظرون من الرئيس أو المدير أن يتعامل معهم بطريقة معينة دون سواها:

< أصدر أوامر مباشرة، وانتظر من مرءوسيك أن ينفذوها، فالسلطة عند المصري لابد أن تتجلي في الأوامر، ولابد من طاعتها وطاعة المصريين لأوامرك طريقة جيدة لقياس حجم سلطتك الفعلية في أي وقت.. بشرط أن يتم ذلك بطريقة سلسة، وبغير خشونة।

وللحديث بقية

شكر واحترام وتقدير خاص للصحفية يسرا زهران مترجمة هذا الكتاب

0 التعليقات:

إرسال تعليق